سورة الأنفال - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{ومن يُوَلَّهِمْ يومئذٍ} أَيْ: يوم لقاء الكفَّار {دبره إلاَّ متحرِّفاً لقتال} مُنعطفاً مُستَطرداً يطلب العودة {أو متحيزاً} مُنضمَّاً {إلى فئة} لجماعةٍ يريدون العود إلى القتال {فقد باء بغضب من الله...} الآية. وأكثر المفسرين على أنَّ هذا الوعيد، إنَّما كان لمَنْ فرَّ يوم بدرٍ، وكان هذا خاصَّاً للمنهزم يوم بدرٍ.
{فلم تقتلوهم} يعني: يوم بدرٍ {ولكنَّ الله قتلهم} بتسبيبه ذلك، من المعونة عليهم وتشجيع القلب {وما رميت إذ رميت} وذلك أنَّ جبريل عليه السَّلام قال للنبيِّ عليه السَّلام يوم بدرٍ: خذ قبضةً من تراب فارمهم بها، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من حصى الوادي، فرمى بها في وجوه القوم، فلم يبقَ مشركٌ إلاَّ دخل عينيه منها شيءٌ، وكان ذلك سبب هزيمتهم، فقال الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكنَّ الله رمى} أَيْ: إنَّ كفَّاً من حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بَشرٍ، ولكنَّ الله تعالى تولَّى إيصال ذلك إلى أبصارهم {وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً} وينعم عليهم نعمةً عظيمةً بالنَّصر والغنيمة فعل ذلك. {إنَّ الله سميع} لدعائهم {عليم} بنيَّاتهم.
{ذلكم وأنَّ الله موهن كيد الكافرين} يُهنِّئ رسوله بإيهانه كيد عدوِّه، حتى قُتلت جبابرتهم، وأُسِر أشرافهم.
{إن تستفتحوا} هذا خطابٌ للمشركين، وذلك أنَّ أبا جهلٍ قال يوم بدرٍ: اللَّهم انصر أفضل الدِّينَيْن، وأهدى الفئتين، فقال الله تعالى: {إن تستفتحوا} تستنصروا لأَهْدى الفئتين {فقد جاءكم الفتح} النَّصر {وإن تنتهوا} عن الشِّرك بالله {فهو خير لكم وإن تعودوا} لقتال محمَّدٍ {نعد} عليكم بالقتل والأسر {ولن تغني عنكم} تدفع عنكم {فئتكم} جماعتكم {شئياً ولو كثرت} في العدد {وأنَّ الله مع المؤمنين} فالنَّصر لهم.
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه} لا تُعرضوا عنه بمخالفة أمره {وأنتم تسمعون} ما نزل من القرآن.
{ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا} سماع قابلٍ، وليسوا كذلك، يعني: المنافقين، وقيل: أراد المشركين؛ لأنَّهم سمعوا ولم يتفكَّروا فيما سمعوا، فكانوا بمنزلة مَنْ لم يسمع.
{إنَّ شرَّ الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون} يريد نفراً من المشركين كانوا صمَّاً عن الحقِّ، فلا يسمعونه، بُكماً عن التَّكلُّم به. بيَّن الله تعالى أنَّ هؤلاء شرُّ ما دبَّ على الأرض من الحيوان.
{ولو علم الله فيهم خيراً} لو علم أنَّهم يصلحون بما يُورده عليهم من حججه وآياته {لأسمعهم} إيَّاها سماع تفهمٍ {ولو أسمعهم} بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك و{لتولوا وهم معرضون}.


{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول} أجيبوا لهما بالطَّاعة {إذا دعاكم لما يحييكم} يعني: الجهاد؛ لأنَّ به يحيا أمرهم ويقوى، ولأنَّه سبب الشَّهادة، والشُّهداء أحياءٌ عند ربهم، ولأنَّه سببٌ للحياة الدَّائمة في الجنَّة {واعلموا أنَّ الله يحول بين المرءِ وقلبه} يحول بين الإِنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن إلاَّ بإذنه، ولا أن يكفر، فالقلوب بيد الله تعالى يُقلِّبها كيف يشاء {وأنَّه إليه تحشرون} للجزاء على الأعمال.
{واتقوا فتنة...} الآية. أمر الله تعالى المؤمنين ألا يُقرّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمَّهم الله بالعذاب، والفتنة ها هنا: إقرار المنكر، وترك التَّغيير له، وقوله: {لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة} أَيْ: تصيب الظَّالم والمظلوم، ولا تكون للظَّلمة وحدهم خاصَّة، ولكنَّها عامَّة، والتَّقدير: واتَّقوا فتنةً، إن لا تتقوها لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصَّة، أَيْ: لا تقع بالظَّالمين دون غيرهم، ولكنها تقع بالصَّالحين والطَّالحين {واعلموا أنَّ الله شديد العقاب} حثٌّ على لزوم الاستقامة خوفاً من الفتنة، ومن عقاب الله بالمعصية فيها.
{واذكروا} يعني: المهاجرين {إذ أنتم قليل} يعني: حين كانوا بمكَّة في عنفوان الإِسلام قبل أن يُكملوا أربعين {مستضعفون في الأرض} يعني: أرض مكَّة {تخافون أن يتخطفكم الناس} المشركون من العرب لو خرجتم منها {فآواكم} جعل لكم مأوىً ترجعون إليه، وضمَّكم إلى الأنصار {وأيَّدكم بنصره} يوم بدرٍ بالملائكة {ورزقكم من الطيبات} يعني: الغنائم أحلَّها لكم {لعلكم تشكرون} كي تطيعوا.


{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله} بترك فرائضه {والرسول} بترك سنَّته {وتخونوا} أَيْ: ولا تخونوا {أماناتكم} وهي كلُّ ما ائتمن الله عليها العباد، وكلُّ أحدٍ مؤتمنٌ على ما افترض الله عليه {وأنتم تعلمون} أنَّها أمانةٌ من غير شبهةٍ. وقيل: نزلت هذه الآية في أبي لُبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُريظة لمَّا حاصرهم، وكان أهله وولده فيهم، فقالوا له: ما ترى لنا؟ أننزل على حكم سعدٍ فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه، أنَّه الذَّبح، فلا تفعلوا، وكانت منه خيانةً لله ورسوله.
{واعلموا أنَّما أموالكم وأولادكم فتنة} أَيْ: محنةٌ يظهر بها ما في النَّفس من اتِّباع الهوى أو تجنُّبه، ولذلك مال أبو لبابة إلى قُريظة في إطلاعهم على حكم سعد؛ لأنَّ ماله وولده كانت فيهم {وإنَّ الله عنده أجر عظيم} لمن أدى الأمانة ولم يخن.
{يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله} باجتناب الخيانة فيما ذُكر {يجعل لكم فرقاناً} يفرق بينكم وبين ما تخافون، فتنجون {ويكفر عنكم سيئاتكم} يمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم {والله ذو الفضل العظيم} لا يمنعكم ما وعدكم على طاعته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6